في لحظات التاريخ الفارقة، عندما تتغير موازين القوى وتتحول المسارات، يبرز السؤال: هل نحن أمام انتكاسة عابرة أم أننا نعيش لحظة النهاية؟ هكذا يبدو المشهد اليوم في عالم البيتكوين، الذي شهد انخفاضًا حادًا بنسبة ٢٥٪ من أعلى مستوى له على الإطلاق عند ١٠٩,٠٠٠ دولار، ليقف الآن عند عتبة ٨٢,٠٠٠ دولار في مطلع مارس.
قبل أسابيع فقط، كان الحديث يدور عن قمم جديدة، عن صعود لا يعرف حدودًا، عن حقبة جديدة للعملات الرقمية في ظل قيادة سياسية تتفهم التغيير وتواكبه. لكن، وكما هي العادة في الأسواق الحرة، لم يكن الطريق مفروشًا بالورود. انقلب التفاؤل إلى تساؤلات، وتحولت الرهانات إلى تحذيرات. والآن، يقف الجميع أمام مفترق طرق: هل هذا الانخفاض فرصة للشراء أم مقدمة لانهيار أكبر؟
التاريخ لا يخطئ.. لكنه لا يكرر نفسه
حين نعود إلى الأرشيف المالي للبيتكوين، حين نفتش في سطوره، نجد أن التقلب هو القاعدة، والثبات هو الاستثناء.
ليس هذا الانخفاض الأول ولن يكون الأخير. فمنذ انطلاقته، سجل البيتكوين تراجعات عنيفة بلغت ٣٨٪، ٣٣٪، ٣٦٪، ٢٩٪، لكنه في كل مرة كان يعود أكثر قوة، أكثر قدرة على فرض نفسه كأصل مالي غير تقليدي.
والمسألة هنا ليست مجرد أرقام تتأرجح صعودًا وهبوطًا، بل هي معادلة اقتصادية أعمق:
كل أصل يولد خارج دائرة السلطة المركزية، كل قيمة تُبنى خارج إطار الأنظمة التقليدية، تمر بهذا الاختبار العسير.
فالتذبذب ليس خللًا في النظام، بل هو مكون أساسي فيه.
البيتكوينر يتحدث: ما الذي يعنيه هذا لنا؟
هناك من يخشى التقلب، وهناك من يفهمه. الفارق بين الاثنين ليس في مقدار المعرفة الاقتصادية، بل في القدرة على رؤية المستقبل وسط الضباب. التقلب هو السياج الحامي للبيتكوين، الدرع الذي يمنع من يريدون السيطرة عليه من إخضاعه لمعادلاتهم القديمة.
لولا هذا التقلب، لما كان البيتكوين ما هو عليه اليوم. لو كانت قيمته ثابتة، لظل حبيس نظريات أكاديمية تبحث في مدى صلاحيته. لكنه اليوم ملاذ رقمي، وساحة معركة، واختبار لليقين. من يفهم هذه الحقيقة، يدرك أن كل تراجع ليس إلا فرصة أخرى لإعادة التموضع، وليس تهديدًا يزعزع الإيمان بمسار التاريخ.
فالسؤال الحقيقي ليس: لماذا يهبط البيتكوين؟ بل:
من لديه الجرأة ليحمل الشعلة حين يخشى الآخرون النور؟